بسم الله الرحمن الرحيم
هناك فرق في المساحة بين المرض والوباء..
ف"المرض" اعتلال فردي يصيب جسم الانسان،
أما "الوباء" فحالة انتشار واسعة للمرض نفسه..
فالإيدز مثلا مرض يصيب جهاز المناعة في الجسم،
ولكنه يتحول إلى وباء حين ينتشر بصورة كبيرة بين الناس..
والأمراض
ذاتها؛ منها ما هو معد تسببه الميكروبات والفيروسات (كالانفلونزا
والملاريا) ومنها ما هو وراثي أو خلقي أو هرموني (وهذه بالمجمل غير
معدية)..
وكانت منظمة الصحة العالمية قد نشرت في أغسطس الماضي تقريرا مخيفا عن الأمراض المعدية وإمكانية انتشارها السريع حول العالم...
صحيح أن الطب تطور في عصرنا الحاضر ولكن "الأرض" بدورها أصبحت كوكبا صغيرا تنتقل الأمراض بين أطرافه بسرعة خارقة؛
ففي الماضي كان بإمكان الطاعون قتل ملايين الناس في منطقة محدودة من الهند أو الصين
أما
اليوم فبإمكان مرض خطير كالكوليرا وسارس الانتقال خلال ساعات من الهند إلى
كندا ومن الصين الى الأرجنتين (بفضل طائرات الركاب والشحن السريع)..
ورغم
أن الأرض لم تخل يوما من أوبئة محلية تظهر وتخبو بصفة دورية؛ إلا أن
الجديد هو وجود عشرة أوبئة تتميز بانتشارها العالمي ( كالسل والإيدز
والتهاب الكبد الوبائي) وأكثر من 40مرضا جديدا لم تكن معروفة من قبل
(خلقتها ظروف الحياة الحديثة)..
وكانت منظمة الصحة العالمية قد رصدت أكثر من 1100وباء قاري أو محلي ظهرت خلال الخمس سنوات الماضية فقط.
وهذه الأوبئة (المحلية) يمكن أن تنتقل بسرعة لأي منطقة في العالم بفضل وسائل المواصلات الحديثة..
وتزداد خطورة الوضع حين يكون الوباء جديدا بالكامل، أو ينتقل الى شعوب أخرى لا تملك مناعة ضده..
فحين
غزا الاسبان مثلا امريكا الجنوبية نجحوا في تطويع 40مليون نسمة من الهنود
الحمر - ليس بفضل اسلحتهم الفتاكة او جيوشهم الجرارة - بل بفضل فيروسات
لاترى بالعين المجردة.. فالهنود الحمر كانوا منعزلين عن العالم القديم
وبالتالي لايملكون مناعة تاريخية ضد امراض كثيرة بسيطة كالانفلونزا
والحصبة. وحين وصل الاسبان نقلوا معهم ميكروبات الملاريا والجدري
والانفلونزا الأمر الذي قضى على 90% منهم في فترة وجيزة
وإذا عدنا
للبدايات المعروفة للإنسان نكتشف أن الملاريا وحدها قتلت أكثر من حروب
البشر مجتمعة.. فخلال الخمسمائة عام الماضية فقط قتلت الملاريا 24مليون
إنسان في افريقيا و 36مليوناً في آسيا -
وخلال القرن الخامس عشر انتقلت من أفريقيا (بفضل تجارة العبيد) إلى الأمريكتين وقضت على ملايين الهنود الحمر فيهما
وحين نتأمل واقعنا المعاصر لا نجد سببا يمنع تكرار هذه الحوادث مستقبلا
( ولا نجد في الطب ما يمنع قضاء الأوبئة على ملايين البشر بسرعة كبيرة )..
بل
على العكس تماما وفرت طائرات البوينج وسفن الشحن - وحتى رسائل البريد
العادية - فرصة الانتقال السريع لأي جرثومة خطيرة بين القارات المختلفة..
ولو
قُدر للجنس البشري الانقراض فجأة (كما انقرضت مخلوقات أطول منه عمراً) فلن
يكون ذلك بسبب حرب طاحنة أو نيزك ضخم أو ارتفاع حرارة الأرض
بل بسبب جرثومة مجهولة تنتشر كوباء عالمي يقف أمامها الطب عاجزا...